العولمة وأثرها على المجتمعات في الأرض

 بقلم: عصام خوري

20/4/2003globalization-globe

الظروف الدولية التي أدت لهيمنة قانون العولمة:
كان لنهاية الحرب العالمية الثانية ونتائجها القاسية على أغلب الأيدلوجيات الغربية نجاح وهيمنة أيدلوجيتين أساسيتين نتيجة نجاح قيادتهما العسكريتان في حسم المعركة ضد النازية والفاشية.
فقد كان الخطاب الأميركي يدعو منذ البداية إلى شكل من أشكال عولمة العلاقات الاقتصادية منذ أن طالب الرئيس ويلسون في أعقاب الحرب العالمية الأولى بحرية الملاحة في البحار والممرات المائية في ظروف الحرب والسلم وإزالة الحواجز الاقتصادية بين دول العالم. في حين دعا الخطاب السوفيتي إلى حث الشعوب الخاضعة للاستعمار على تحقيق الاستقلال التام ببعديه السياسي والاقتصادي. أي أن الخلاف الأيدلوجي الرئيسي قائم على تحديد مفهوم الحرية.

وبعد نهاية الحرب الباردة التي تجلت بعيد انهيار جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفيتي إلى دويلات مجزأة، وتصدع الاقتصاد السوفيتي. ساد الفراغ الدولي ليظهر مناخ القطب الواحد الذي يتمثل بالولايات المتحدة الأميركية مفسحاً المجال لنظرتها التحررية في الهيمنة.

الشركات المتعددة الجنسية والعولمة الاقتصادية:
نظرية الولايات المتحدة تبنت تحرير التجارة وفتح الحدود بين الدول وتسهيل مرور السلع والبضائع ورؤوس الأموال دون أية قيود تفرض عليها، وخلق مناخات ملائمة لتوظيفات اقتصادية منتشرة في مواقع الموارد الأم.
ومن هنا ظهرت الشركات المتعددة الجنسية التي تحمل في أركانها البنية المادية القادمة من المصارف المنتشرة في أغلب دول العالم لتمول الاستثمارات التي يقوم عليها باحثون من شتى الجنسيات بغية إتمام هذه المشاريع على أكبر قدر من التقانة التي توفر أكبر ربح ممكن للمستثمرين في هذه المصارف، كما قد تكون هذه المصارف ملك أشخاص معدودين، أو شخص واحد.
قانون الاستثمار هذا جعل أشخاص معدودين بإمكانياتهم المادية يتجاوزون ثقل اقتصاديات الدول المنتمين إليها. وهذا ما جعلهم منتمين لغالبية الدول التي تقوم المصارف التي أودعوا فيها نقدهم بالاستثمار فيها.
فمثلاً الرئيس الحريري “رئيس وزراء لبنان” بمجموعة شركاته  التي تستثمر في عدة دول”فرنسا، الجزائر…”  يفوق اقتصاد شركاته ميزانية الحكومة اللبنانية الغارقة في الديون.
واستثمارات الأمير الوليد بن طلال تمثل الأمر ذاته في عدد من الدول حيث يعد المستثمر الأول في الولايات المتحدة الأمريكية من غير جنسيتها.
كذلك “رئيس وزراء إيطاليا” برلسكوني عملاق الإعلان الذي يملك أقوى شركات الإعلان الإيطالية في أوروبا.
وتعد شركة ماكدونالدز رمز من رموز العولمة، فعدد المطاعم التي تمتلكها ماكدونالدز في العالم (28)ألف مطعم ابتدأت من أميركا حتى تجاوزت أوروبا واليابان وتايوان والخليج العربي ومصر حتى مناطق المغرب العربي وجنوب إفريقيا وزائير…
وتبلغ كلفة الحصول على وكالة ماكدونالدز أو بيرغر كينغ (500ألف- 1.5مليون دولار).
وتبلغ نسبة العمال الأميركين في مطاعم الوجبات السريعة تحت 20سنة(66%).
وتبلع كلفة باوند من البطاطا المقلية التي يدفعها ماكدونالدز إلى الوسيط (30)سنتاً، في حين يبلغ الباوند نفسه مبيعاً للزبون(6)دولارات.
وقد بلغت الأرباح التي جنتها كنتاكي فرايد تشيكن في مكة خلال أسبوع واحد من رمضان عام1994 (200)ألف دولار.
وتبلغ المسافة التي اصطفت عليها السيارات في مدينة الكويت عند افتتاح أول فرع لماكدونالدز عام 1994 (10)كيلومترات.
ويبلغ عدد مصنعي المشروبات الغازية الذين يتحكمون في السوق الأميركية ثلاثة أشخاص، وفي أوروبا ستة أشخاص لهم وكالات من الشركات الغازية الأميركية وأهم الشركات الغازية في العالم هي: كوكا كولا، بيبسي.
كذلك الشركات السويسرية تحتكر صناعة الشوكلاته بأنواعها المختلفة فهي بالتالي تحتكر على شراء الكاكاو في العالم.
من هنا فإن مصطلح «العولمة» والمستمد من العالمية أو الكونية هو وليد فكر اقتصادي استراتيجي غربي وينطوي على أهداف محددة وأبعاد معينة، وإذا كانت منظمة التجارة العالمية تعني اتفاقية للتجارة الدولية بين دول أعضاء فيها، فإن هذه المنظمة أصبحت حلقة موصلة للعولمة الاقتصادية التي تتحول فيها الدول إلى شركات معولمة، حيث أن تفسير العولمة الاقتصادية هو «سيطرة الشركات العالمية على السلع والخدمات والأيادي العاملة، ورأس المال في دول العالم» أي سيطرة هذه الشركات على مختلف عناصر الإنتاج سواء السلع الأولية أو حركة الإنتاج أو رأس المال بحيث توظف عناصر الإنتاج هذه في خدمة أهداف الشركات العالمية والعالم قد دلف إلى الألفية الثالثة!! حينها تصبح هذه الشركات المالكة الفعلية لموجودات العالم وأصوله وسلعه الأولية ومقدراته الطبيعية وأسواقه وربما لبشره أيضا، ولما كانت هذه الشركات العالمية هي شركات أمريكية وأوروبية الصنع، فإن ذلك يعني أن هذه الشركات هي التي تملك العالم خاصة وان هذه الشركات هي التي أصبحت اللاعب الحقيقي في عمليات الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في الدول الغربية، أي أنها هي المالكة لسلطة القرار الاقتصادي والسياسي، وبالتالي فإنها تلقائيا تصبح مالكة لسلطة القرارات الاستراتيجية في مختلف دول العالم، وهنا تصبح الألفية الثالثة هي ألفية شركات العولمة لا الدول أو الأنظمة!! وهذه الشركات هي الإمبراطوريات الرأسمالية الحديثة في ظل الألفية الثالثة!! ولما كانت العلاقات الدولية في عصرنا الحالي تستند على أساس من المصالح الاقتصادية ولما كانت هذه العلاقات لا تراعي أية اعتبارات أخلاقية أو إنسانية، فإن شركات العولمة هذه التي تحكم العلاقات الدولية تشكل إخطبوطا عالميا يسعى بكل جهده وقدرته لامتصاص العالم الضعيف الأمر الذي ينفي مفهوم العدالة الاجتماعية التي يدعيها قادة الغرب، خاصة عندما تقود شركات العولمة هذه إرهابا اقتصاديا يمتص معه دماء شعوب العالم الثالث وتجهز على البقية الباقية من أشلائهم!!

العولمة الثقافية:
دائماً الثقافة والفكر في حالة تلازم مع الاقتصاد، ومن هنا تظهر العولمة الثقافية، التي تهدف للترويج للسلع وجعل السلع متشابهة لجميع البشر “التنميط الثقافي”، وهذا من شأنه زرع خلخلة ضمن موروث المجتمعات المختلفة وإلغاء لتراثها، فمن كان يتخيل العربي البدوي يشرب الكوكا كولا، أو الصيني يأكل الهمبرغر، أو الأفغاني يركب سيارة الجيب التي ركبها سيلفستر ستالوني في فلم رامبو.

كما يلاحظ توجه رؤوس الأموال نحو امتلاك وسائل الإعلان، وتمريرها الإعلان بما يتوافق مع مصالحها، ونجد تسييس صريح للإعلام بما يتوافق مع توجهات  رؤوس الأموال التي هي صاحبة القرار السياسي، وبالتالي تسقط معايير الشفافية والمصداقية للصحافي والإعلامي، وتضيع الحقيقة، ويصور متظاهري سياتل وجنوة على شكل جماعة من البرابرة يكسرون المحلات التجارية وزجاج السيارات ويعرقلون السير والنظام رغم أنه مجتمعين لخدمة الإنسانية.
الحياة الدراسية للطالب أيضاً أصبحت متأثرة بمفاهيم العولمة، فالجامعات والمدارس تملكها شركات، فهي تعمل على توجيه الطالب من خلال نظامها الدراسي على الاهتمام بقضايا مرتبطة فقط باختصاصه الدراسي، وتجعله مسيراً في أبحاثه ودراسته لقضية معينه فقط، كي يحقق النجاح في العمل الذي يتبع الدراسة ويحقق منه أكبر ربح مادي، وليس أكبر مردود وعطاء إنساني.

العولمة الاجتماعية:
نتيجة توسع قوى السوق العالمية، ولدت ظاهرة إرباك بين الأفراد ضمن المجتمعات، فالجميع يبحث عن حياة أفضل بمستوى مادي أكبر، مما أدى لظهور ظاهرة التحضر الغير مدروسة المتمثلة في زيادة النزوح من الأرياف والبوادي إلى المدن والمناطق الحضرية. مما أدى لمزيد من الازدحام حيث باتت المدن الكبرى (تسمى المدن المهيمنة في الأدبيات الديمغرافية) تعاني من ظاهرة الازدحام إلى حد التكدس ناهيك عن التلوث والاختناق على نحو ما بتنا نشهده أو نكابده في مدن مثل القاهرة أو المكسيك أو طوكيو أو لاجوس… بل إن مشكلة هذه الظاهرة أنها تزيد الطلب في المدن المرهقة أصلاً على المياه والطاقة وغيرها من الموارد الأساسية اللازمة لمعيشة الإنسان.
ثم تتفاقم نفس المشكلة حين يؤدي تركز (تكدس) البشر في مواقع سكانية محدودة المساحة، أكثرها المواقع عشوائية هي العواصم الكبرى، مؤدية إلى زيادة المخلفات، والفضلات، والنفايات الناتجة عن هذه الأعداد والمستوطنات البشرية الضخمة.. حيث يتم صرف معظمها في الأنهار أو البحيرات في هذا البلد أو ذاك مما يقلل من كميات المياه النظيفة، النقية والصالحة من ثم للاستخدام الآدمي.
والفقر دائماً يتوافق مع التخلف، والجهل يولد التزايد السكاني، فظاهرة التزايد السكاني المطرد وخاصة في بلدان العالم الثالث النامية (سوف تركز نصف سكان الدنيا كلها في 6 دول فقط لا غير واحدة في أفريقيا وهي نيجيريا والأخرى في آسيا.. وهي الصين والهند وباكستان وبنجلاديش واندونيسيا).
هذا بإضافة لما يتزايد من الأمية في هذه المجتمعات، والفقر والحرمان يولدان ظاهرة الجريمة والسرقة، والفساد.
ونتيجة مطامع الشركات المتعددة الجنسية في موارد هذه دول المتخلفة، تمرر استثماراتها بصورة تحقق أقل نسبة فائدة لأبناء هذه الدول، وقد يؤدي تمرير تلك الاستثمارات إلى توليد حروب أهلية أو حروب بأسماء مختلفة تؤدي لتفكك مجتمعات تلك الدول وزرع الفتنه والفرقة بين أبنائه.

بعض الحقائق السكانية في العالم:
1- من بين كل مئة أسرة تكونت أواخر الثمانينات في مدن العالم النامي، هناك 72أسرة تعيش في مدن الصفيح والأكواخ. ويقدر أن نحو 100مليون شاب، معظمهم بين عمر 14و19سنة، يعيشون في الشوارع بعيداً عن منازلهم وأسرهم.
2- كل عام يموت في العالم ما يزيد على 585ألف امرأة بسبب الحمل. وتعاني سبعة ملايين امرأة من مشاكل صحية خطيرة كما تعاني 50 مليون امرأة من آثار صحية مختلفة نتيجة الولادة. ويجري نحو 20مليون عملية إجهاض غير مأمونة في البلدان النامية كل سنة، يموت خلالها حوالي 70ألف امرأة أي 13% من مجموع وفيات الأمهات في العالم.
3- خمس الأطفال لا يصلون في دراستهم إلى الصف الخامس الابتدائي، وحوالي 20%لا يحصلون على ما يكفي من الطاقة الغذائية والبروتين.
4- أكثر من بليون شخص لا يزالون محرومين من الحاجات الرئيسية. ومن أصل 4.8بليون نسمة في البلدان النامية، يفتقر حوالي ثلاثة أخماسهم إلى الوسائل الصحية الأساسية، وحوالي الثلث لا يستطيعون الحصول على المياه النظيفة، والربع لا يتوفر له السكن الملائم.
5- الفقراء هم الأكثر تعرضاً للأدخنة والأبخرة والأنهار الملوثة. وبين حوادث الوفاة التي يبلغ عددها 2.7مليون سنوياً بسبب تلوث الهواء، هناك 2.2مليون حالة سببها التلوث داخل الأماكن المغلقة، و80% من الضحايا هم من فقراء أرياف البلدان النامية.
6- من المرجح أن يعيش ربع سكان العالم سنة 2050م في بلدان تواجه نقصا في الماء العذب. وهناك الآن ما يزيد على 430 مليون شخص يعيشون في بلدان تتأثر بضغوط ذات علاقة بالماء أو تواجه ندره فعلية في الماء.
7- نخسر ما يزيد على 30ألف نوع من الحيوانات والنباتات كل سنة من أصل نحو 14مليون نوع، على الرغم إننا لا نزال نعتمد اعتماداً شديداً على ما يقل عن 40ألف نوع للغذاء والسكن والوقود والملبس.

من الممكن القول أن العولمة بصيغها الحالية حملت بعض المتغيرات الإيجابية للبشرية، لكنها في الوقت ذاته حرمت العالم الفقير من فرصة المشاركة الفاعلة في القرية الكونية الصغيرة.
فالعالم وفق منظور الفقراء والمطحونين في رحى الاقتصاد العالمي الجديد يحمل اسم “قرية الفقراء التي يحكمها أغنياء دول الشمال”.
ينبغي أن لا نكون ضد الليبرالية الجديدة “العولمة”، القائمة على إلغاء الحدود الجمركية بين دول العالم، على أن تلغي أيضاً الحدود بين البشر وتسمح لأبناء الدول الفقيرة بالسفر نحو دول العالم الغنية. العولمة التي تسمح بحوار الحضارات وليس نزاع الحضارات. العولمة القائمة على لغي الفروقات الإثنية والقومية والعرقية واللغوية بهدف المحبة والإنسانية المشتركة بين البشر، وليس بهدف تأجيج هذه الفروقات التي تؤدي للحروب والويلات والمجاعات. العولمة التي ترقي المجتمعات من خلال خدماتها في زرع الفكر الديمقراطي وحقوق الإنسان لأبناء الشعوب المقهورة من قبل حكامها، وليس العولمة التي تدعم الأنظمة الديكتاتورية لقهر شعوبها وزرع النزاعات بينهم.
العولمة التي تساهم في النهضة التكنولوجية وتنمية المعرفة العلمية والتقنية لأبناء الدول الفقيرة، وليس العولمة التي تقوم على قتل أفراد منظمة “عمال بلا أرض البرازيلية” أو التي تحبس جوزيه بوفية لأنه عارض بطريقته الضرائب التي فرضتها الولايات المتحدة على جبن روكفور وغيرها من المواد الغذائية الأوروبية، العولمة التي وبسبب البترول جلبت الحرب على أبناء الشعب العراقي، بدل أن ينعم هذا الشعب بثروته ويقوم على تطويرها، أو التي ستزرع الحرب الأهلية على المجتمع الفنزويلي.
نحن نحتاج إلى عولمة ترقي البشرية وتحّمل الإنسان مفاهيم الإنسانية الراقية القائمة على المحبة والتآخي بين الإنسان وأخيه الإنسان، العولمة التي تلغي دور الجيوش والسلاح النووي، وتقلل من تلويث الهواء. العولمة التي تدرس توازن موارد الأرض الطبيعية مع الكائن البشري وتزايده.
العولمة التي تزرع الورود والموسيقى والفنون والأدب الراقي والثقافة الأكاديمية في الأرض وللإنسان الغني والفقير.

CESD

CENTER FOR ENVIRONMENTAL AND SOCIAL DEVELOPMENT CESD is a nonpartisan, 501(c)(3), international human rights organization based in New York. We share a commitment to social justice, human rights, and peace between all nations. Our efforts contribute to the mission of creating a new culture in the MENA region which is mainly based on the values of citizenship, peace, and coexistence.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *